أصبحت شبكة (الإنترنت) أرضا خصبة لتجنيد العملاء بدون بذل جهد أو دفع أموال، حيث ما عليك إلا أن تنتحل اسما مستعارا ويا حبذا لو كان أنثى إن أردت أن تخاطب ذكرا أو العكس ثم تبدأ بمحادثته عبر المواقع التي لا تحصى ولا تعد على الشبكة ويوما بعد يوم تزداد الألفة والمحبة حتى لا تستطيع المفارقة أي تصل لمرحلة الإدمان فإذا بك عميل مخضرم قد سلمت النفس والأهل والأصحاب والمدينة والوطن وأنت لا تدري، لأنك ستكتشف أنك أمام المخابرات الإسرائيلية وجها لوجه عندها لا تستطيع الإفلات وخاصة إذا تبادلتم الصور والهدايا.
فلقد أكدت الحقائق الدامغة وعبر كثير من التحقيقات والتقارير الصحفية وقوف جهاز خاص يسمى (مخابرات الإنترنت) يشرف عليه أطباء نفسانيون إسرائيليون، يحللون الشخصية، ويفكون رموزها، ومن ثم يجبرونهم بطريقة أو بأخرى عبر الإغراءات المادية أو الجنسية في ظل حالة الفقر والعوز التي يعانونها على التعامل معهم، ومدهم بالمعلومات التي يريدون عن المقاومة والمناضلين الفلسطينيين.
وقد جاء تقرير لمجلة " لوماجازين ديسراييل" اليهودية الصادرة في فرنسا على صدر صفحاتها يكشف آليات تجنيد دولة الاحتلال الإسرائيلي عملاءها في منطقة الصراع العربي، خاصة الفلسطيني، عبر الإنترنت ، جاء فيه :"إن بداية المشروع تعود إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، تحديدًا في عالم 1998، حيث تقدم موشي هارون، ضابط في المخابرات الإسرائيلية، بطلب لوكالة الاستخبارات الأمريكية، أن تساعده في إيجاد مكتب مخابراتي ثابت ومتحرك عبر الإنترنت، يتمكن من خلاله من تجنيد العملاء، خاصة في الشرق الأوسط، يمدونه بما يريد من معلومات حول تحركات الدول المارقة.
google_protectAndRun("render_ads.js::google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);
كما وصفها البيت الأبيض، لتقوم سريعًا بإحباط نضالاتها في التحرر وإذاقتها ألوان العذاب عبر الحروب، الطرح في ذلك الوقت لاقى قبولاً أمريكيًا، لكنها لم تنفذ سريعًا، واشترطت وقتها وكالة الاستخبارات الأمريكية أن تكون ضمن الشبكة، ولم تستطع المخابرات الإسرائيلية إلا الموافقة لأسباب مادية، إذ لم تتوفر لديها إمكانيات الأقمار الصناعية والمواقع البريدية التي تستخدم الشات بكل مجالاتها وتفرعاتها، والتي تعتبر الملهى والموطن الأساسي للشباب العربي المحبط في قارات العالم الست، وفي عام 2001 تم الإعلان رسميًا عن تأسيس "مكتب المخابرات عبر الإنترنت"، بقيادة ضباط من المخابرات الإسرائيلية، ترأسهم موشي أهارون، صاحب سجل الاغتيالات بحق القادة والمناضلين العرب والفلسطينيين في مختلف بقاع الأرض، في ساحل العاج ونيروبي وإيطاليا وأسبانيا وغيرها.
إلا أن أمر المكتب ظل متواريًا قليلاً حتى السابع والعشرين من مايو 2002، حيث نشرت وقتها صحيفة اللومند الفرنسية تقريرًا مفصلاً عن حرب الإنترنت، أكدت فيه على وجود مكتب لتجنيد العملاء العرب عبر الإنترنت منذ سنوات طويلة، لافتة إلى أنه بدأ العمل بجدية أكبر بعد أحداث سبتمبر 2001، حيث أضحى هدفه احتكار سوق الإنترنت عبر ضخ المزيد من المواقع الإلكترونية، التي تتضمن زوايا الشات والدردشة التي يرتادها الشباب العربي، ويتهافت على زيارتها، وكشفت عن هوية صاحب موقع "شباب حر"، الذي أمه عشرة ملايين زائر من مختلف أقطار الأرض بمجرد الإعلان عن انطلاقه في عام 2003، يعود لأدون وردان، وهذا ما أكدته مجلة لاتريبون الفرنسية في عددها رقم 213 "أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلي أدون وردان المعروف في الوسط المخابراتي داخل وخارج إسرائيل هو نفسه دانيال دوميليو" وقد توقف هذا الموقع فجأة بعد أن كشفت صحيفة صنداي شخصية مؤسسه من أهم مواقع التعارف والكتابة الحرة التي كان يعبر فيها ملايين الشباب عن غضبهم من حكوماتهم.
وتلفت مجلة اللومند في ثنايا تقريرها إلى أن الوسيلة التي اعتمد عليها المكتب المخابراتي في تجنيد العملاء، هي تحليل حوارات الدردشة والشات التي يتبادلها الشباب العربي، عبر الشاشة الإلكترونية، خاصة تلك التي يتحدثون فيها عن أحلامهم وطموحاتهم وظروفهم المعيشية التي كانت سببًا في ضياع مستقبلهم، ناهيك عن الحوارات التي يتحدثون فيها عن الجنس، ظنًا منهم أنه الوسيلة الأفضل للبعد عن السياسة وتفاصيلها التي أضنت قلوبهم، وأحالتهم إلى التقاعد في زهرة شباب عمرهم، نتيجة تأثيرها على الوضع الاقتصادي والمعيشي في بلدانهم، الأمور "التافهة" التي يتبادلها الشباب في الوطن العربي عبر غرف الشات والمنتديات ساعدت الخبراء النفسانيين التابعين لجهاز المخابرات الإسرائيلية، والذين يديرون تلك المواقع على قراءة السلوك العربي، وتحديد المداخل التي يمكن للمخابرات استقطابه منها، يصغون إليه باهتمام، ويتحاورون معه في كل أمور حياته وتفاصيلها الدقيقة، فيقع في شباكهم دون أن يعلم.
فلأول مرة يجد أحدًا يصغي إليه باهتمام ويحاول مساعدته فعلاً، ليس كلمات وشعارات براقة، فيعطي كل ما لديه، ويتحدث عن كافة تفاصيل حياته، حتى أخص خصوصياته، ظنًا منه أنه يخرج بذلك من براثن الإحباط، إلا أنه يقع في مستنقع العمالة، فيقضي على مستقبله وحاضره بجهله وقلة حيلته، وتشير المجلة إلى أن المخابرات الإسرائيلية تعمد إلى توظيف ضباط نساء لاستدراج الشباب العربي الهائم بالحديث دومًا عن الجنس اللطيف، فتكون العملية أسهل وأسرع.
وهذا ما يدعمه جيرالد نيرو، الأستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب (مخاطر الانترنت): ربما يعتقد بعض مستخدمي الانترنت أنّ الكلام مع الجنس اللطيف مثلاً، يعتبر ضمانة يبعد صاحبها أو يبعد الجنس اللطيف نفسه عن الشبهة السياسية، بينما الحقيقة أنّ هكذا حوار هو وسيلة خطيرة لسبر الأغوار النفسية، وبالتالي كشف نقاط ضعف من الصعب اكتشافها في الحوارات العادية الأخرى، لهذا يسهل "تجنيد" العملاء انطلاقاً من تلك الحوارات الخاصة جداً، بحيث تعتبر السبيل الأسهل للإيقاع بالشخص ودمجه في عالم يسعى رجل المخابرات إلى جعله "عالم العميل".
وللخروج من هذه المزالق الأمنية الخطيرة وحماية أبنائنا وبناتنا منها فإننا نطالب المؤسسات التربوية بالتعاون مع الجهات الأمنية بالوقوف عند مسؤولياتها نحو توعية المجتمع وخاصة الشباب والمراهقين بخطورة الإنترنت عبر الشروع بعمل متكامل يضم كلاً من الحكومة (بكل مكوناتها ذات الصلة) ووزارة التربية والتعليم العالي (الإدارة العامة للإرشاد والتربية الخاصة) والأسرة كنواة أولى للمجتمع في إعداد برنامج توعوي تربوي أمني وليحمل اسم (ليكن الإنترنت صديقا وليس عدوا) ويوضح من خلاله دور كل منهم عبر خطة تنفيذية تتابع على مدار هذا العام الدراسي؟