[center]نبدأ بالقصة
الرسالة نت - أيمن الرفاتي
في الزاوية الخلفية لبيت مكون من طابقين ويقع غرب مدينة غزة، ترقد فتاة نحيفة، بوجه شاحب، قسرا في "خشة" منذ عشر سنوات، جراء فرض شقيقها الاكبر الإقامة الجبرية عليها, وعزلها عن العالم الخارجي عقب سطوه على ميراثها (قطعة أرض، وذهب)، حتى لا تفشي سره.
ولكن مثل اكتشاف أمر الفتاة (ا. ب) فاجعة بالنسبة للشرطة الفلسطينية وجيرانها الذين عرفوا بأمرها بعد أن هرمت داخل سجن العائلة (الخشة) التي لا تقبل الطيور او الحيوانات العيش فيها.
وأثارت الرائحة النتنة المنبعثة من (الخشة) اشمئزاز رجال الشرطة بعد أن داهموا المكان الذي هو أشبه بمجمع حاويات للقمامة، فوجدوا (أ. ب) في الخامسة والأربعين من العمر، ترقد تحت السقف المتهاوي وهي تغطي وجهها بملاية حمراء وينهك جسدها لوح خشبي نائم فوقها.
في حين أنهم استدعوا شقيقها الأكبر-المتهم باحتجازها- من داخل البيت الخرساني المنمق والمكون من عدة طوابق، حيث يقطن هو وأسرته.
وبجوار بيت شقيقها الأكبر، يقطن شقيق اخرا لها، سبق وأن اعتدى عليها بالضرب عدة مرات واستغل ثروتها لشراء سيارة شخصية, وهو كان على علم بما فعل شقيقه الأكبر، الامر الذي يضعه أمام المسؤولية.
وبعد تداول الجيران قصة الفتاة المأساوية، تحركت "الرسالة نت " لتضع يدها على الحقيقة، وتوجهت لمركز شرطة الشيخ رضوان للاطلاع على حيثيات الجريمة المرتكبة بحق الفتاة (ا.ب) التي قضت ربع عمرها في الاحتجاز.
وروى الرائد بسام القوقا مدير مركز شرطة الشيخ رضوان تفاصيل القضية بالقول: بدايةً جاءتني معلومة من أحد الاصدقاء تقول بأنه يعرف احتجاز أحد الأشخاص لأخته خلف البيت لمدة حوالي 10 سنوات, فطلبت منه احضاره لكي أطلع على حيثيات القضية".
وأضاف :"طبعاً جاء هذا الشخص وتحدث لنا عن الملابسات بشكل كامل وأخبرنا أن هناك رجلا من جيرانهم في منطقة الشيخ رضوان يحتجز أخته منذ سنوات بسبب الميراث والأرض التي لها نصيب كبير فيه, وأخبرنا أن البنت كانت خاطبة وحالتها جيدة ولم تكن لديها أية مشاكل نفسية".
واستمر مدير مركز شرطة الشيخ رضوان بالقول :"هذا الأمر أشعرنا بضرورة التحرك والتأكد من هذه القضية فقمنا بالإجراءات الرسمية واستصدار قرار من النيابة العامة لتفتيش البيت والتحقيق في حيثيات القضية, وعلى الفور استصدرنا القرار وأحضرنا وكيل النيابة لتفتيش البيت".
واستطرد:" وفي ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي توجهت الدورية المشكلة من الشرطة والنيابة العامة والمباحث للمنزل المحدد, وطرقنا الباب, ففتح لنا رجل في الخمسينات من عمره –اخوها المتهم- وأطلعناه على قرار التفتيش وعلى الفور اكتشفنا مكان الفتاة التي كان في وضع مزر للغاية".
ويصف القوقا المكان بالـ "زريبة" للحيوانات أو الدواجن وهو مليء بالقمامة والألواح الخشبية إضافة لسقف زينقو متهالك, تدخل منه الأمطار حال سقوطها في أي وقت, بينما كانت الأرضية عبارة عن مشطاحين خشبيين وعليهما فرشة اسفنجية بلا وجه".
"وعندما تنظر داخل هذه "الخشة" التي لا تزيد مساحتها عن مترين تجد القمامة والصواني البلاستيكية محيطة بها إضافة إلى زجاجات المياه, بما يجعلك تعجب كيف عاشت هذه المسكينة في هذا المكان", كما يروي القوقا.
وتابع: "الفتاة أصبحت أقرب للجنون بعد كل هذا السنوات, وعندما تقدمنا اليها لم تجب ولم تتحدث بكلمة واحدة , بل كانت من الخوف تغطي وجهها وتنكمش على نفسها لدرجة أن ركبتي قدميها كانتا تصل لعنقها, بينما كان شعرها كبيرا ومنكوشا حيث لا يوجد من يهتم بها".
واستدرك القوقا: "على الفور اجرينا اتصالات مع أخواتها المتزوجات وعددهن ثلاثة أخوات لكي نتعرف على الملابسات بشكل أكبر ولكي يساعدونا في اخراج المجني عليها , وقد استدعينا اسعافا خاصا لنقلها الى المستشفى, وتم التحفظ على كل من له علاقة في القضية وهم أخوتها لاجراء التحقيق".
التحقيقات
وداخل غرفة التحقيق في مركز شرطة الشيخ رضوان أدلى الشقيق الأكبر بأقواله بقلب متصلب، حيث لم تظهر عليه أثار الملامة لما أرتكبه من جريمة بحق شقيقته الصغرى:" أنا مش خايف وانا معملتش اشي غلط ", لكنه اعترف بجرمه بحق أخته بعد جدال مع المحققين.
واعترف أنه وأخوه الأصغر منه قد أخذا حق اختهم, مشيراً إلى أن الأخ الثاني قد سرق منها ذهبها وباعه ليشتري بحقه سيارة له, بينما هو طلقها من خطيبها الذي هاجر لاحدى الدول الأوربية.
ويؤكد مدير مركز شرطة الشيخ رضوان للرسالة أن التحقيقات أظهرت أن الرجل كان يمنع أي أحد من زيارتها وخاصة أخواتها المتزوجات اللاتي كنً يعرفن بما جرى معها , فيما أشارت إحدى أخواتها خلال التحقيق أنها كانت تظن أن المجني عليها تعيش في حواصل المنزل.
وبينما كانت تجرى التحقيقات توجهت ابنة الجاني -وهي تعمل محامية- لمركز شرطة الشيخ رضوان ليتضح أنها من الأشخاص المتهمين في القضية, بعدما أكدت أنها تعيش في نفس المنزل, ما حدا بمدير المركز لاستصدار قرار من قبل النيابة لإجراء التحقيقات معها, لكنها حاولت الدفاع عن والدها من خلال القاء التهم على عمها وعماتها الذين لا يسألون عنها.
أما جيران المجني عليها فقد أكدوا "للرسالة" معرفتهم بهذه الفتاة في السابق حيث كانت بصحة جيدة ولم يكن لديها أية أمراض نفسية أو مشاكل.
ويقول أحد الجيران الذي يعرفها ويعرف أهلها :" البنت كانت طبيعية ولا تعاني من شيء وقد خطبت أحد العائدين في بداية السلطة لكن أخوتها أفسدوا خطبتها وفسخوا العقد, ما حدا بخطيبها الذي حزن عليها للهجرة".
في المستشفى النفسي
وتوجه مراسل "الرسالة نت " إلى مستشفى الأمراض النفسية في منطقة النصر بغزة ليلتقي المجني عليها التي اختلف شكلها عما كانت عليه في مكان احتجازها, حيث تم قص وتهذيب شعرها لكن جسمها النحيل لم تغب عنه صورة آلام عشرة سنوات من الاحتجاز في مكان لا يصلح لأن تعيش فيه البهائم.
مازالت الفتاة المسكينة صامتة لكن عيونها التي مازال الخوف يدب بها تحدث كل من يراها عن قساوة الأهل الأخوة لأجل الحصول على المال.
الطبيب الذي يعالج المريضة يؤكد أنها مصابة بعدة أمراض نفسية تراكمت على عدة سنوات نتيجة تعرضها لصدمات ومواقف نفسية, رافضاً الحديث بالتفصيل حول قضيتها لحين اتمام التحقيقات, مؤكداً أنها تخضع الآن لدورات علاجية من أجل إخراجها من الحالة التي مرت بها.
ومن أبرز ما تعرضت فسخ خطوبتها على يد أخوها الكبير إضافة لتعرضها للاعتداء بالضرب عدة مرات وسرقة الذهب الذي كانت تمتلكه ورميها في خشة لا تصح للبهائم طيلة عشر سنوات.
أين ستذهب؟!!
وحول مصير المجني عليها أكد القوقا مدير مركز الشيخ رضوان أنه لن تعاد الفتاة للعيش مع أخوها الذي جنى عليها مؤكداً أنه تواصل مع أهل الخير ومع مستشفى الوفاء لعمل اقامة دائمة لها في تلك المستشفى.
وأشار القوقا إلى أنه يبحث الآن عن أهل الخير ليرعوها من حيث الأكل الخاص واللبس والعلاج, موضحاً أنه تواصل مع بعض المسئولين الذين وعدوا بأن يتم رعايتها والاعتناء بها.